Friday, October 22, 2010

أكتبوا التاريخ كما هو



أكتبوا التاريخ كما هو
مشعل السديري


هل من المصلحة أن يدرس أبناؤنا التاريخ الإسلامي بطريقة منتقاة، منمقة، مزيفة؟! أم انه من الأفضل أن يقرأوا ويستوعبوا التاريخ كما هو، وكما حصل، حتى لو أدى ذلك إلى أن يصدموا، فلا شيء كالصدمات يقوي المناعة، ويحفز على النقد، ويبحث عن الأفضل.
فالتاريخ الإسلامي، والحكم الإسلامي، والمجتمعات الإسلامية، هي كغيرها من حقب التاريخ فيها الايجابي وفيها السلبي، فيها العدل والشرف وفيها الظلم والخزي كذلك.
فبعد وفاة الرسول الكريم بأقل من عشر سنوات، يُقتل الخليفة الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم يبدأ عصر بني أمية، وما كان فيه من توالي الخلفاء إما بالتوارث أو القتل أو الاغتصاب.
وما هو إلا قرن أو يزيد، وإذا ببني العباس يستولون على الحكم قسراً.. وإذا الشاعر (سديف بن ميمون) يدخل على أبي العباس الملقب بالسفاح، وكانت عنده بالمجلس مجموعة من بني أمية، وأراد أن ينافقه ويحرضه على هؤلاء الجالسين عنده فأنشد يقول:
لا يغرنك ما ترى من رجال/ إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى/ لا ترى فوق ظهرها أمويا
ويبدو أن تلك القصيدة أثارت السفاح، واهاجت شجونه وأحقاده، فما كان منه إلا أن يأمر أتباعه أن يقتلوا كل من كان جالساً بالمجلس من بني أمية، ليس بالسيوف، ولكن بأعمدة الخشب الغليظة ليتعذبوا أكثر، وفعلا ضربوهم وكسروا عظامهم وهشموا رؤوسهم حتى أتوا على آخر واحد منهم.
ولم يكتف بهذا، إذ أن منظر هؤلاء الذين يتخبطون أمامه بدمائهم فتح شهيته للأكل، فطلب من خدمه أن يحضروا الطعام.
وعندما احضروه، وأراد الخدم أن يسحبوا الجثث التي تنازع، رفض أبو العباس ذلك، وقال: ائتوا بالانطاع والبسط وافرشوها عليهم، وفعلا فرشوها،
وجلس هو ومن معه عليهم يأكلون ويتضاحكون. وتقول بعض كتب التاريخ، إن بعض من ضربوا من بني أمية لم يكونوا قد لفظوا أنفاسهم بعد، وكانوا يتحركون ويئنون تحت ثقل مقاعد أبي العباس وجماعته.
ولما فرغ من تناول الطعام وشكر وحمد ربه، قال له وزيره: هلا أمرت يا مولاي بدفنهم فدفنوا أو حولوا إلى مكان آخر، لأن رائحتهم قد تؤذيك. فما تتوقعون رد (السفاح) على ذلك الاقتراح الطبيعي؟! لقد أخذ يضحك ويقول للجميع: والله إن هذه الرائحة لأطيب عندي من رائحة المسك والعنبر، فالآن سكن غليلي.
حتى ذلك الشاعر المنافق (ابن ميمون)، لم يسلم من القتل، لأنه ناصر احد الهاشميين واظهر عداوة لبني العباس،
فجيء به لأبي جعفر المنصور، ويقال إن يديه ورجليه قطعتا ثم دفن حّياً. طبعاً هذه صفحة سوداء في تاريخ بعض الخلفاء، وغيرها صفحات وصفحات، ولا شك في أن بعضها بيضاء وتبعث على الفخر، غير أن ما اجبرني على هذا الكلام هو رغبتي وأمنيتي أن يُدرس التاريخ كما هو بدون أي (رتوش) لكي نتعلم ولا تتكرر المصائب.. والشعوب الذكية هي التي كتبت تاريخها كما هو، وقرأته قراءة نقدية، ثم تجاوزته إلى الأفضل.
بقيت كلمة أخيرة لا بد ان أقولها حتى لو غضب البعض مني، وهي أن هؤلاء الشباب المتطرفين الذين يريدون أن يعيدوا مجد الخلافة، متصورينها (تقطر عسلا)، إنما هي في اغلب مراحلها كانت للأسف (تقطر دماً).

No comments :

Popular Posts