Sunday, May 06, 2012

مقال سعد إبراهيم







كتب سعد الدين إبراهيم
شاركت في أحد أفراح الطبقة المُتوسطة المصرية، بمدينة المنصورة مساء السبت 25/12/2010. ورغم أن ذلك اليوم يتزامن مع عيد الميلاد (الكريسماس) إلا أننا حرصنا على تلبية دعوة أسرة العروس نيّرة  شهاب الدين، والعريس الكيميائي محمد عبد المُعتصم.
كان هذا العُرس مُناسبة لرؤية معظم أفراد الأسرة المُمتدة، والأهل والأصدقاء من قريتي (بدين)، ومن مديني (المنصورة). ولأن الحفل أقيم في نادي الشرطة، فقد كان المشهد رومانسياً للغاية. وضاعف من هذه الرومانسية، بعض المؤثرات الصوتية ـ الضوئية، "الهوليودية"... والتي لم أشاهدها حتى في الأفراح الأمريكية، على كثرة ما حضرت منها خلال العقود الأربعة الأخيرة.
وللأمانة، كانت هناك لمسة تُراثية بدخول طابورين من حملة المشاعل، بملابس الفرسان من "العصور الإسلامية الوسطى" ذات الألوان الزاهية، والنقوش الذهبية المُزركشة. وكان هذا إيذان بقرب وصول العروسين. وبدى لي أن جمهور المدعوين قد أصبح مُدرباً على هذه الطقوس، فقد نهض كل من كان يجلس على نفس مائدتي، وكل الموائد الأخرى، استعداداً لدخول زفة العروسين التي استغرقت حوالي نصف ساعة، منذ دخول القاعة، حتى الوصول إلى "العرش"، حيث يجلس العروسان على كُرسيين مُزركشين، على منصة مُرتفعة حوالي متر ونصف، بحيث يراهما كل من في القاعة الكُبرى للأفراح في نادي الشرطة.
ومن عدد الموائد، وعدد الجالسين حول كل مائدة، خلُصت زوجتي، وهي عالمة اجتماع أيضاً، إلى أن هناك حوالي أربعمائة مدعو، نصفهم على الأقل من الإناث. وأنها كانت الوحيدة، بلا حجاب. وقارنت هي بين هذا المشهد، وأول عُرس حضرته في مصر، منذ أربعين عاماً، حيث لم تكن فيه أنثى واحدة "مُحجبة" وتساءلت، "هل معنى ذلك أن المصريات قد أصبحن أكثر تديناً، ومُحافظة، واحتشاماً؟
ولم أتطوع أنا بالإجابة... ولكن الإجابة جاءت عالية... واضحة... وسريعة الإيقاع، بعد دقائق من توجيه السؤال. فبمجرد بدء الموسيقى الشعبية الراقصة، ودعوة أحد المُطربين للجمهور أن ينزلوا إلى ساحة الرقص التي كانت تتوسط القاعة، حتى نزل حوالي ثلاثين شاباً... وبعد دقائق، انضمت إليهم عشرات المدعوات من كل الأعمار تقريباً... وكلهن "مُحجبات".
وبين الحين والآخر، حينما تُظهر إحداهن مهارة في الرقص، فقد كان من يرقصون بالقرب منها، يتوقفون عن الرقص قليلاً، ويُفسحون دائرة خاصة لها، ويقومون بتشجيعها، بتصفيقات إيقاعية، تُضاعف من حماسها، وتُغري أخريات، بالنزول إلى الساحة، والتنافس معها.
ورغم أن الرجال كانوا هم المُبادرون بالرقص، إلا أن النساء كانوا الأكثر مُثابرة، والأطول باعاً وإبداعاً... ولاحظنا أنه كلما كان "حجابهن"، أكثر اكتمالاً، كلما كُن الأكثر حركية، وتحركاً، وإبداعاً. وكان تفسير زوجتي لذلك، أنهن الأكثر "مُحافظة" أو "كبتاً" في حياتهن اليومية العامة. ولذلك فإنه بمجرد إتاحة "فرصة شرعية" لهن، فإنهن يستغلنها إلى أقصى درجة. وأنهن في ذلك مثلهن مثل الرجال في حلقات "الذِكر" الصوفية، حيث يتوحد الصوفي الراقص مع "الملكوت" من حوله، أو هكذا يتوهم! وكذا نساء الطبقات الشعبية الدُنيا، حيث يؤدي لهن "الزار"، نفس الوظيفة التنفيسية.

No comments :

Popular Posts